Friday, June 20, 2008


تأريخ



أوقفني فجأة في الطريق و صافحني بشدة , ابتسمت في ارتباك , أخبرني أن روايتي الأخيرة كانت أكثر من مذهلة , واصلت الإبتسام المشوّش..كنت نازلا لتوي من عند الناشر بعد مشاجرة لرب السما على الأخطاء المطبعية الكثيفة في الطبعة الثانية للرواية , موظف الدار الأبله قدّم للمطبعة الملف القديم للرواية بدلا من الملف الأخير الذي تمت مراجعته و تصحيحه ثلاث مرات على الأقل قبل أن يصدر بشكل نهائي في الطبعة الأولى..كان الأمر مفزعا و أنا أتصفح بشكل عفوي تماما نسخة أهديتها لأحد أصدقائي فور صدور الطبعة الثانية منذ شهرين تقريبا , شهران كاملان و أخطائي الطباعية و النحوية القديمة تتجول و تتنشر في المدينة بحرية تامة..مضافا إلى ذلك عصبية الناشر وهو يشيح لي و للموظف بيده كأننا نقف أمامه على نفس الدرجة من المسئولية : دين أم الطبعة التانية إتطبعت و إتوزعت بدين أم الأخطاء القديمة..إنتوا بتستهبلوا..مفيش دين أم أي إهتمام ؟

كانت كفي لا تزال في كفه و هو يحدثني بحرارة عن المتعة الكامنة في السرد و خلطتي الخاصة للإيقاع بالقارئ في فخ النص..واصلت الإبتسام و أنا أهزّ رأسي , أريد ان أنهي الكلام بأي طريقة كانت , أحتاج الآن لأن أجلس وحيدا في أي مكان لأفكر بهدوء بعد الإنفعال و الصراخ العنيف الذي أديته بشكل كامل فوق عند الناشر منذ دقائق..

_إنت مش فاكرني ؟

= أنا آسف.. اليومين دول مش مركز شوية

_ أنا عبد الحافظ...عبد الحافظ سعيد

تأملت وجهه بتمعّن , توجست أن يكون أحدهم , ناقدا ما أو صحفيا كبيرا في أي صحيفة أو مؤسسة بنت كلب تهتم بالأدب..وجهه الأربعيني و ملابسه الأنيقة جدا كانا كافيين جدا لأرتبك أكثر و أبدأ في الإعتذار أنني لا أذكر الإسم ..

_ مش فاكرني إزاي ؟...أنا عبد الحافظ ..جيتلك في الجرنان من 3 شهور...جيتلك في القسم بتاعك...التحقيقات..إنت لسه هناك صح ؟...و بعدين طلبت منك أقابل مسئول النشر في الصحفة الأدبية...مسئول نشر إبداعات القرّاء..كنت قابلتك على قهوة التكعيبة قبلها بكام يوم و محمد فهمي صاحبك عرّفنا على بعض...و قلتلك إني بكتب قصة و نفسي أنشر في الجرنان عندك...بالأمارة كمان إنت إستغربت من حكاية القصة القصيرة جدا دي...هههههههههههههههههههههههه..فقريت لك 3 قصص قصيرة جدا و قلتلي ساعتها أبقى أعدي عليكم في الجرنان..

كنت قد تذكرت الموضوع كاملا حين وصل لمحمد فهمي , لكنه كان له اسلوبه في الكلام الذي لا يمكنك أبدا إختراقه بشكل مهذب إلا إذا أضطررت للصراخ في وجهه : خلاااااااااااص...أفتكرت خلاص ينعل ميتين أهلك..

= آه آه..افتكرت...أنا أسف جدا يا أستاذ عبد الحافظ ...اليومين دول أنا فعلا مش مركز

_ ولا يهمك..أنا عارف إني بزعجك ...بس متعرفش ليه منشروش القصص بتاعتي لحد دلوقتي

= أنا فاكر إنهم نشروا قصتك يا أستاذ عبد الحافظ

_ إنت متأكد ؟؟

= آه أفتكر من كام إسبوع شفت قصة قصيرة جدا منشورة في بوكس في الصفحة الأدبية

اتسعت عيناه على نحو مفاجئ , رفع أنامله إلى شفتيه و حدّق فيّ بذهول ..

= بس كانت قصة واحدة إنت عارف المساحة و الـ..

_ أنا مش مصدق...مش معقول...إنت متأكد بجد !!

خمنت أنه ربما انزعج من نشر قصة واحدة من قصصه القصيرة جدا التي لا تتعدى الواحدة فيهم السطر و نصف

= أيوه يا أستاذ عبد الحافظ...أنا فاكر كويس إني شفت حاجة زي كده...بس متتضايقش ...المساحة دايما بتحـ..

_ لا لا أبدا...أنا مش عارف أشكرك إزاي...بجد أنا بشكرك جدا جدا

شد علي يدي مرة أخرى و تصورت أنه سيأخذني بالحضن أو ماشابه...كان كل ما فعلته حين دخل قسم التحقيقات أن سلمت عليه باهتمام قليل و أنا أجري للحاق بسكرتير التحرير في الردهة , بينما رمقه الزملاء باستغراب ببدلته الأنيقة جدا و هيئته الأقرب لرؤساء مجالس الإدارة و عندما عدت إليه وجدته جالسا أمام مكتبي فسلمت عليه مجددا و وصفت له الطريق إلى حجرة المسئول عن القسم الأدبي بسرعة و أنا أعدد له فضائل أن يقدم له أعماله هو بنفسه دون أي توصيات فذلك هو الأليق بالأديب الحقيقي و العصامي و العظيم...

لم يكن لدي أي فائض عاطفي تجاه إبتهاجه البالغ , فقط هززت رأسي في تفهّم , أما هو فظل يلوم نفسه مرارا و تكرارا على عدم شراء العدد في ذلك الأسبوع تحديدا و وعدني بالبحث عنه و كم هو سعيد بلقائي اليوم و أسعد بقراءة روايتي وووو...

تصافحنا و انصرف و زفرت أنا بقوة بعد خطوتين أو ثلاثة...التفت لأعبر الطريق فوجدته أمامي مباشرة:

معلش...حضرتك قلتلي العدد ده كان بتاريخ كام بالظبط ؟.



* *


قررت أن أراجع الليلة ملف الرواية القديم كاملا بعد أن أدخلته الطبعة الثانية تاريخ الأدب , تخيلت أثر ذلك و أنا أسترجع كل ما فعلته بعد نفاد الطبعة الأولى عقب صدورها بفترة بسيطة , أستأسدت و بدأت أكتب مقالاتي النقدية بثقة واسعة و جرأة مطلقة , سحلت روايات و مجموعات قصصية و دواوين شعرية لأصدقاء و غرباء علنا في أشهر الإصدارات الأدبية متكئا على نجاحي الضخم لروايتي الثانية , أثنيت فقط على القليل الذي راقني من الأعمال الصادرة حديثا حينها , أما ما حدث بعد الطبعة الثانية هو أنني كنت أسير عاري المؤخرة في وسط البلد لمدة شهرين , أرفع بيدي للسلام ثم أمر فينفجر الجالسون بالضحك حين يكتشفون ثقب كبير دائري , مقصوص بعناية , في ملابسي فوق مؤخرتي بالضبط..

أن تصدر الرواية بهذا الشكل , فهو ما يلام عليه رسميا الناشر و آلياته , أما ما أتحدث عنه هو أن يعرف الجميع أنني قمت بهذه الأخطاء الفادحة في اللغة و النحو و الصرف أثناء الكتابة , ذلك أنه لو فكّر مصحح الدار أو موظف المراجعة في تشويه صورتي لما ارتكب كل هذه الأخطاء و بهذا الترتيب و التوزيع مذهل العفوية....إنه أنا بالضبط الذي سيفكر فيه كل من سيقرأ نسخة من الزفتة الثانية ...أهون الأمور أن يستاء قارئ عادي من كمية الأخطاء و ينفر مني و من الدار بعد ذلك..ذلك شئ يمكن تداركه ...كل ما هنالك أنه يكفي أن يكون أي حيوان من معارف وسط البلد قد اكتشف الموضوع عن طريق الصدفة... , واحد فقط...و سأكون حينها بالفعل قد سرت لمدة شهرين عاري المؤخرة أمام التكعيبة و البورصة و زهرة البستان..ستشكّل أخطائي وليمة كبيرة تكفي الجميع , أخطائي التافهة و البسيطة التي لا يقع فيها طالب ثانوي مجتهد , ستكون شهادة دخولي التاريخ السري للأدب , التاريخ الأهم , الذي لا تصنعه السير الذاتية أو الأحداث المعلنة , و إنما النميمة التي تتكاثر عضويا حول كواليس كل ما يحدث , و التي تتوارثها الأجيال بشهية أكبر للفضائح القديمة التي لا يزال أصحابها متواجدين ببجاحة غير مقصودة...

حتى الآن لم أسمع من أي أحد , ولا حتى أعدائي الذين اكتسبتهم خلال مقالاتي العنيفة , عن الموضوع , أتوقع ألا ينفذ الناشر وعده بتصحيح ما حدث قبل أسابيع على أفضل تقدير , خلال تلك المدة سأظل أطالع يوميا كل هذه الأخطاء التي تتقافز أمامي على الشاشة كبقع لزجة صغيرة في أنحاء الرواية...أغلقت الملف و بدأت أتصفح الإصدارات الأدبية على النت بحثا عن أي شئ..باغتتني رنة الماسنجر...أنا على وضعية الأوف لاين أصلا !

_ إزيك ...أنا عرفت إنك أون لاين من الفايس بوك...إنت أون لاين هناك :))))

= مين معايا ؟

_ انا عبد الحفيظ !...إنت مش فاكر إيميلي ولا إيه ....عملتلك أد بعد ما إتقابلنا و خدت إيميلك من 3 شهور لما قعدت أنا و إنت و محمد فهمي

= أهلا بيك يا أستاذ عبد الحفيظ :)

_ أنا دورت في عدد الإسبوع اللي إنت قلتلي عليه و ملقيتش حاجة

كنت قد ضربت له أي تاريخ خطر على ذهني في الثلاثة شهور الماضية , وقلت أكيد سيبحث في الأعداد كلها حين يكتشف أني أخطأت في التاريخ..

= إزاي بس...دوّر بس كويس و أكيد حتلاقيها منشورة...

_ أنا جبت العدد والله و جنبي أهو...أرشيف الجرنان على النت مش شغال زي ما إنت عارف..و بطلوع الروح عرفت أوصل للعدد القديم ده..مش لاقي فيه القصة

= يبقى أكيد أنا اختلط عليا الأمر..

_ انا بزعجك جدا أنا عارف بس ياريت تحاول تفتكر كان عدد كام بالظبط

= لا لا أبدا مفيش حاجة...أصل هو أنا بس مش فاكر

_ أوك ... أشكرك جدا...أستأذنك

= سلام

_سلام


* *


أسبوعين و الناشر يتهرب مني , و ما الذي يضر أهله في الحكاية , الرواية لا تزال تبيع و لأذهب أنا و روايتي بعد ذلك إلى أقرب صندوق زبالة مهمل على جانبي التاريخ الأدبي.. , بعد غد سيكون هناك حفل توقيع كبير للرواية في مكتبة "الديوان " , تمنيت لو ينتهي الموضوع قبل هذا الموعد ...سَحْبُ كل النسخ المتاحة و طبعة ثانية جديدة و ليحرق الله كل النسخ المشوهة المباعة أين ذهبت...كل يوم تقريبا أخرج من العمل و أمر على التكعيبة ثم زهرة البستان ...أقابل الأصدقاء الموجودين حينها و أنصت جيدا و أبتسم في توتّر...أقوم بعد ساعة أو ساعتين و أنا أتنفس الصعداء أن أحدا لم يلاحظ بعد ..أو فاتحني في الموضوع على الأقل...أحاسب القهوجي ثم أمشي و أنا أتخيل الجميع يكتمون ضحكاتهم و هم يشيرون إلى ثقب دائري كبير يكشف مؤخرتي الكريمة...أعود إلى البيت و أول ما أفعله أتصفح كل الإصدارات الإلكترونية , أما الورقية فانا كفيل بها , و أقوم ببحث في جوجل عن اسم روايتي + "أخطاء نحوية "...أظل متوترا جدا لمدة ساعة إلا ربع تقريبا أنجز فيها كل هذا..ثم أفعل بعدها أي شئ آخر بمزاج سئ...

دخلت على موقع الجريدة التي أعمل بها , قلبت بملل في تحقيقاتي الأسبوعية القديمة ...وجدت في الطريق مقالا شوّهت فيه وجه روائي كبير أصدر رواية جنسية رديئة دافع هو عنها بحرارة , سحلته بشكل حقيقي...ارتجفت و أنا أتخيل مصيرا مشابها...أردت أن أسترخي ففتحت قائمة بأغاني فيروز و تركتها تعمل بشكل عشوائي في مزاجي الذي تم تهشيمه ...ثم ماذا إذن؟...هه ؟...لن يحدث أي شئ...سأذهب إلى حفل التوقيع و أنا أضع عطري الجديد...أوقع للقراء الأرستقراطيين السذج و أنا أبتسم و أستمتع بجلبة حسناوات الزمالك حولي و أنا أوقع لهن..خطر لي أن أشير للأخطاء بشكل استباقي...لكني تراجعت على الفور...سيكون ذلك أكبر حماقة أفعلها في حفل كهذا..ثم أن الأمر كله سيتم حله خلال فتـ..

_ إزيك ؟...عامل إيه اليومين دول يا فنان ؟

الله يحرق الماسنجر و الفايس بوك و الكمبيوتر و الجرائد و القصص القصيرة جدا....الماسنجر كان قد فـُـتح بشكل أوتوماتيكي كما ضبطته أنا و أكيد طبعا أنا أون لاين على الفايس بوك

= :) إزيك يا أستاذ عبد الحفيظ...عاش من شافك يا راجل

_ أنا على فكرة جبت الأربعة أعداد كلهم بتوع الشهراللي إنت قلتلي إنك قريت قصتي في عدد منه

= و لقيت القصة ؟

يارب..

_ لا للأسف...إنت متأكد إنك شفت القصة ؟

= آه... طبعا

_ طيب ممكن أطلب منك خدمة بسيطة

= يا سلام...دا إنت تؤمر

_ ياريت لو تسألي الأستاذ مدبولي مشرف الصفحة عن العدد..

= من عنيا

_ و ياريت لو تقدر تجيب لي نسخة من العدد :)))))

= بإذن الله :)..ححاول

_بتعبك معايا

= لا أبدا

_ سلام

= سلام



**



الناشر لا يزال يتهرب , شهر الآن ولم يتغير شئ , ذهبت إليه مرتين , فتحت الموضوع مرة فذكرني بخفة بالمشاجرة الماضية : دين أم الخناقات مبيعملش حاجة يا "علي"..خلينا رايقين و كله حيتحل مفيش حاجة بتتحل في ساعتها... , الأمر يؤثر عليّ بشكل فادح , الآن مقالاتي أشبه ما تكون بمقالات يكتبها قط شيرازي مخنّث كثيف الفرو جالس على مكتبي في الجريدة , نقد محاذر خفيف , هذا الديوان ديوان مهم...نعم...إنه ديوان مهم...يجمع بين التراث و الحداثة ..الأصالة و المعاصرة...الشاعر في تجربته الشعرية يختزل لنا كذا و كذا...يبهرنا برؤيته الماروائية للأشياء, وفي آخر المقال لا بأس من : و في النهاية لا يسعنا فقط إلا أن نشير إلى هنّات لا تُنقص من قيمة العمل بل ترفعه لمصاف الأعمال الإنسانية بكل ما في الإنسانية من قابلية للخطأ تحسدنا عليها الآلهة و ذلك في كذا و كذا سطر كذا صفحة كذا..

سيكون من السئ أن تكون مؤخرتي مكشوفة فعلا و أكتب بهذه الخنوثة...أنا إذن أدخل التاريخ فعلا بشكل تدريجي و بصورة كاملة التشويه...لن يستمر ذلك أبدا...قليلا فقط أسترد لياقتي الذهنية و النفسية و أوسعكم ضربا و ركلا يا أولاد الكلب..

حفلة التوقيع كانت غاية في الملل , حافظت على لباقتي بأقصى ما أسعفني من تركيز , لا أعرف إلى متى سأظل متوترا هكذا طول الوقت , كأنني أنتظر أن يقف أحدهم في حفل التوقيع مثلا ويصرخ من وراء الجمهور : فيه حد يغلط في إسم إن يا حمار ؟ فيه حد يرفع الفعل المضارع بعد "لم " يا حمار؟ مش عارف تحذف حرف العلة ما قبل الأخير في المضارع المجزوم يا حمار ؟

و هكذا إلى نهاية الأخطاء و هو يفتح نسخة مشوّهة و يدور بها في مكانه ليريها للجميع...

أتذكر أنني ارتجفت حين حطت يد على كتفي فجأة من الخلف , استدرت بفزع

_ مكنش ينفع ماجيش

= إيه...آه....أهلا أستاذ عبد الحفيظ...إزيك ؟

_ كانت حفلة جميلة والله...مبروك يا فنان..عقبال الأعمال الكاملة

= الله يبارك فيك

_أنا عارف إنه مش وقته بس يا ترى وصلت لحاجة بخصوص القصة بتاعتي..

= والله حضرتك أنا سألت الأستاذ مدبولي بس هو برضه مكنش فاكر..

لم أسأل مدبولي

_ طيب حاولت تعرف التاريخ من الأرشيف عندكم...إنت عارف مش بيرضوا يطلعوا الأعداد لأي حـ..

= لا للأسف

_ ياريت تحاول...أنا تاعبك معايا فعلا

= لا أبدا متقولش كده

أنقذني ثلاثة قرّاء تدخلوا لأوقع لهم , شكرا للرب , انشغلت معهم و أنا أخمن أنه لا يزال واقفا ورائي ليؤكد علي كي لا أنسى..

رفعت يدي أحيي قرائي الثلاثة ثم التفت لمحمد فهمي على يميني فوجدته و الأستاذ عبد الحفيظ يثرثران..صافحناه أنا و محمد لنغادر فشد علي يدي وهو يبتسم : ياريت متنساش تسأل الأرشيف



* *




_ إزيك ؟

= أهلا

_ اول مرة تطلع أون لاين يعني :))

= لا مفيش بكلم واحد صاحبي في أمريكا

_ طيب مش حعطلك...عرفت التاريخ ؟

= لا للأسف...معرفتش ألاقيه

_ أنا بزعجك معلش ...

= إنت بتزعجني فعلا

_ أنا آسف جدا جدا يا أستاذ "علي"....أنا بعتذر لك بجد...مكنتش أعرف إني ضايقتك كده

= لا مفيش مضايقة ولا حاجة

Ali wezza appears to be offline



**



حدث ما كنت أخشاه , محمد فهمي ارسل لي رسالة مقتضبة على الموبايل من دقائق ليخبرني أن الناقد الكبير "عباس العفريت " كتب مقالا عن روايتي في الحياة اللندنية , عباس العفريت سبق و أن كتب عن روايتي الأولى مقالا تهت به على الجميع , نشرته على المدونة و على الفايس بوك و احتفظت به لفترة في محفظتي , أما مقال جديد في هذا التوقيت فذلك كان كافيا أن أغادر الجريدة فورا لأشتري الحياة , نزلت السلم أجري و بينما أدور حول جدار الردهة الكبير كان عبد الحفيظ أمامي مباشرة , كدنا نصطدم لولا أن رفع رأسه و توقف في دهشة...

_ ابن حلال...أنا كنت جاي أعتذر لك و أسأل بنفسي في الأرشيف...

ماذا يحدث...ما المهم جدا في أم سطر و نصف بائسين ليستهلك هذا الرجل الوقور كل هذا الوقت في التفتيش عنهم..

= لا مفيش حاجة يا أستاذ عبد الحفيظ...أنا بس حستأذ..

_أنا فعلا آسف إني أزعجتك الفترة اللي فاتت...بس هي أصلها حاجة مهمة في تاريخي

= حصل خير...انا حـ

أمسك بذراعي و نظر في عيني مباشرة وهو يقول:

_ لو فعلا حطلب منك شئ أخير...

سكتَ لبرهة بينما كنت أفكر في أن أدفعه بكل قوتي في صدره و أجري

_ ياريت تدخل معايا الأرشيف دلوقتي...نطلع العدد

نظرت إلى حيث نظر...كان بجوارنا بالضبط باب الأرشيف...سحبت نفسا عميقا...حسنا...إذا كان ذلك سينهي الموقف بن الـ**** كاملا... فلننهِ الآن...

حررت ذراعي و دخلت على الفور , أشرت لموظف الأرشيف بضيق أن يخرج لي نسخة من كل الأعداد في الأربعة شهور الماضية...نبهني عبد الحفيظ إلى أنهم 3 فقط من شهر كذا إلى شهر كذا...لم التفت إليه..ناولني الموظف طلب إخراج الملفات و ذهب ليحضر لي الملفات فوقّعته بسرعة و أنا أتمكن بالكاد من الإحتفاظ بأعصابي....عاد الموظف و بلهفة قلّب عبد الحفيظ في الأعداد الداكنة بينما ينظر لي الموظف باستفهام...كنت هناك...في الصفحة 13 من الحياة

اللندنية أفكر ماذا قد يكون ما كتبه العفريت عني , تاريخي الأدبي الكامل مهدد بينما أقف الآن لأنفذ رغبة تافهة بشأن سطر و نصف تافهين لمخلوق مغمور يبحث عن تاريخه الأدبي ..

رن الموبايل , كان زميلي في التحقيقات , يسألني أين أنا....انفعلت و أنا أخبره أنني لن أرجع اليوم...خرجت في ستين داهية...و ينعل أبو الجرنان على الشغل على الـ...سكتّ فجأة...كان عبد الحفيظ قد اعتدل وهو يفتح عدد ما...يتأمله بشكل عميق....يحدق في الصفحة بنظرة جامدة...ثانية ثم

_ لقيتها....لقيتها

كان يصرخ ...التفت إليّ بعينين غارقتين بالدموع و ابتسامة خافتة ...بينما يشير إلى صندوق داكن في أسفل الصفحة ..سطران فوقهما عنوان بفونت أعرض قليلا : الرجل الذي بلع ظله..

هجم علي و أخذني بالحضن..كان لايزال الموبايل في يدي الممدودة جواري و المقيدة بذراعيه...حضن طويل ثم أخلى سبيلي وهو يمسح دموعه و يخبرني بصوت متهدج : أقدر أصوّرها ؟

نظرت للموظف الذي يتأملنا في ريبة فتناول منه العدد على الفور و وضعه على ماكينة التصوير ..لم أتفوّه...فقط شكر عبد الحفيظ الموظف و تناول النسخة...التفت إليّ , قال بلهجة ممتنة إلى أقصى حد وهو يهز رأسه الأشيب قليلا كأنه ينحني : أشكرك..أشكرك , صافحته في صمت...استدار و خرج...تابعته وهو يعبر بوابة الجريدة الكبيرة , يضم الورقة إلى صدره بشدة و يرتجف...



7 comments:

Unknown said...

ربما كانت سطوره حلم حياته الذي تحقق
وبالتأكيد كانت سطور هذا أهم من رواية ذاك

القيمة تكمن فيما يتحقق من الشيء

تحياتي قصة جميلة

محمد سيد حسن said...

بطل قباحة ملهاش لازمة يا بن عزت لحسن واللي خلق الأرض والسماء وسواك القبيح شاعرا مهما ماداخلك موضوع تاني

الشهر الجي طواريء واخد بالك؟

Anonymous said...

بخصوص القباحة، مفيش شك إنها زيادة بس زى ما تقول كده...معبرة. و على رأى واحد معرفوش فى قصة مش فاكر إسمها..أى حاجة ممكن نغفرها مادامت دمها خفيف...مذيع سافل دمه خفيف، كاتب قبيح دمه خفيف :):)...مستنيين اللى جاى

السهروردى said...

فى حاجة اتطورت فى القصة دى
.
.
أكيد
فى حاجة اتطورت
:)

كلام وخلاص said...

يمكن عشان السطر ونص دول حققوا له نجاح هو محتاج يحسه كهاو او كقارىء حس ولو لمرة بشعور الكاتب
طول ما الكتابة فضلت فى ركن الهواية بعيدة عن الضغط وعن الفلوس طول ما صاحبها اعتبر اى جملة ليها معنى نجاح قائم بذاته

Alaa Eddeen Shams Al-Qaisi said...

جميلة جدا يا محمود .. بصرلحة إستطولتها اول ما شفتها .. بس بمجرد ما بدأت القراءة .. إلا ووجدت نفسي قد انهيتها

أسلوب سلس متدفق يأسر القارئ بمنتهى اليسر

عمرو said...

القصة دي جامدة جدا يا عزت
ولو القباحة هاتخليك تكتب قصص حلوة كده يبقى مرحبا بالقباحة
أهنيك مرة تانية على قصتك وعقبال الأعمال الكاملة