1
نزل من سيارته, الهوندا سيفيك, و مشى بضعة أمتار, فتبين له السبب, ميني باص أجرة يعطلّ الطريق بالكامل دون تبرير واضح, تاركا مساحة ضئيلة لعبور سيارة واحدة من جواره و ببطء, قبل أن يصل إلى الميني باص كان أحدهم _ رجل أربعيني_ قد نزل من سيارته واشتبك بالفعل مع سائق الميني باص : شاب في العشرينيات برأس بيضاوي مائل للطول و ملامح إجرامية مثالية, عينان ضيقتان مسحوبتان و حاجبان كثان على أنف طويل ضخم, كان الأربعيني يلوّح للسائق بغضب هائل بينما يكتفي السائق بالتطلع له من كابينة الميني باص بلامبالاة حقيقية, يرد عليه بكلمة أو كلمتين ثم يشيح عنه إلى الناحية الأخرى, تجمع عدة أفراد جوار كابينة الميني باص يحاولون الفضّ و إقناع السائق بالتحرك, تذرع الأخير بجمع الركاب الذين كانوا يتتابعون بالفعل إلى الداخل, فتح الأربعيني باب الميني باص بعصبية فجاوبه السائق بدفع الباب بقوة و النزول إليه, كان قد وصل منذ فترة و مكث على مسافة يتابع الموقف الذي بدأ يتعقد بشكل واضح, اشتباك بالأيدي بدا على وشك الحدوث رغم جمهرة المخلصاتية, قرر أن يتمهل قليلا هذه المرة قبل أن يخلص إلى فريسته, لذلك أخرج من جيبه بهدوء علبة سجائره, سحب سيجارة واحدة, علقها في فمه ثم أشعلها في هدوء, مائلا بدماغه كلها إلى الولاعة التي حمى لهبها الخافت بكفه اليسرى, اختبر جودة الإشعال بنفس طويل, ثم زفر الدخان من فمه عبر ابتسامة صغيرة و سار في اتجاه الميني باص..
كان يعرف , بل واثقا في الحقيقة, أن هيئته ستتيح له المرور بسهولة إلى قلب المشاجرة, برأسه قصير الشعر المصفف بعناية بحيث يتدرج بحدة من الجانبين وصولا إلى قمة رأسه, مارينز ستايل, نظارة بوليس سوداء كبيرة و قميص أبيض مخطط بالأسود, يخرج منه ذراعين ممتلئي الزند في صلابة و تماسك, مرّ إلى قلب المشاجرة و بحركة استعراضية تماما, قبض على ذراع السائق المشعرة المعروقة و أزاحها بعنف عن تلابيب الأربعيني, كان ذلك كافيا ليلتفت له الجميع.." يعني إنت بروح أمك اللي قافل الطريق.."..كانت لا تزال على وجه السائق تلك النظرة العدوانية التي كانت مسددة منذ لحظة إلى جهة أخرى,لكنها امتزجت الآن بارتباك مشوّش.." و كمان مش عاجبك إنه بيكلمك.." , لم يزد السائق رغم قلقه الواضح على أن صاح في محاولة بهيمية لاختبار شراسة الخصم: و إنت مالك إنت؟ ,و قبل أن يدرك أحد الموقف, كان قد رفع يده اليمني بحيث يراها الجميع , ثم حطّ بها كاملة, ليختم بخمسة أصابع على الصدغ بينما يستقر الكف على الأنف, كشّاف, تسمى هذه الحركة: كشّاف, منح السائق كشّافا كاملاً أمام الجميع ليترنح من هول المفاجأة قبل أي شئ ثم سقط أرضاً مؤمناً على وجهه بيسراه وعلى وجهه فزع حقيقي ..كانت هذه هي اللحظة المناسبة تماما للحركة الأخيرة في المشهد.. التي ينتظرها دائما و يعرف أنها الآن, حين يصمت الجميع في انتظاره فقط ليسوي المسألة و يتممها , تقدم و قبض بعنف على تلابيب السائق المرمي على الأرض صارخا في وجهه: أنا مالي ؟....أنا الرائد حسام الشاذلي يا ** أمك
2
طائرا على الكورنيش بالسيفيك, لمح تجمهرا صغيرا جوار تاكسي أبيض و أسود يقف بحذاء الرصيف, في المركز كان السائق يلوح بعنف في وجه شابة محتدّة هي الآخرى, ابتسم وهو يضغط على البنزين بحماس , ثم على الفرامل بكل قوته, ليتوقف بصرير هائل بالضبط وراء التاكسي, كلهم كانوا قد التفتوا إليه فعليا قبل أن ينزل برشاقة من السيفيك و يخبط بابها بعنف, ثم انتظروه ليصل إليهم دون كلمة, متوقعين أنه لابد ينتمي إلى أي من طرفي المسألة, الفتاة فقط كانت تكرر بصوت حاد: إنت سواق مش محترم , خطا إلى مركز الدائرة, البنت عشرينية محجبة بأناقة, ترتجف قليلا رغم محاولتها البقاء صلبة و على وجهها انطباع نصف مذعور , سأل السائق بهدوء : خير يا بيه؟ , السائق الذي بدا عليه أنه ليس لديه أي خيار أخر سوى سرد الوقائع كاملة, بدأ يشرح كأنه يعيد قول ما أفاض فيه مرات و مرات وهو يلوّح بعشرة جنيه ورق: الآنسة راكبة من إمبابة لحد ماسبيرو و عايزة تدفع 10 جنيه بس..ساعة سواقة في الحر و طلوع الدين و 10 جنيه..إلخ , كان هو أثناء ذلك يهزّ رأسه برتابة, يضع سيجارة في فمه و يشعلها مقربا رأسه كثيرا من الولاعة حاميا نارها الصغيرة بيسراه, يسحب نفسا تجريبيا ثم يرفع رأسه للسائق ويقول وهو ينفث الدخان في نفس الوقت : و إنت بقى مش عاجبك العشرة جنية ؟, يسكت السائق و يرتبك محاولا تخمين هوية المتطفل على معركته الصغيرة, قبل أن يفتح السائق فمه كان قد أمره بحزم: فين العشرة جنيه, فيصيح السائق في استنكار : ليه يا بيه ؟ , يصرخ فيه: بقولك هات العشرة جنيه, يناولها له السائق فيناولها بدوره للفتاة وهو يشير لها : اتفضلي حضرتك .., يحاول السائق اعتراض طريقها بجسده صائحاً تجاهه : هو فيه إيه يا عم ..تتفضل فين, الذروة, قبل أن يتحرك لمع بريقاً جائعا في عيني أحدهم بالخلف, في خلفية التجمهر, لذلك هو لا يخذل جمهوره أبدا, ألقي بالسيجارة بعيدا, شد السائق من تلابيبه و هبده على بالتاكسي في عنف, صرخ في وجهه بينما أنفيهما على وشك التلامس و السائق يحرك عينيه في وجهه بفزع : عم ؟...أنا النقيب أيمن الدبيكي يا *ول
3
تذكر ما حدث ليلتها, وهو يطير بالهوندا مخترقاً شارع قصر العيني الخاوي تماماً صباح الجمعة, كان حينها كذلك في نفس الهوندا عائداً إلى البيت عبر نفس الشارع بعد منتصف الليل, و كأنه يسترجع واحدا آخر كان يتذّكر نفسه: جسد ممتلئ مائل للترهل, وجه وديع بيضاوي, نظارة طبية أنيقة, شعر ناعم مصفف بارتجال على جنب, لا مارينز ستايل, لا عضلات, فقط تخيّلات لذيذة عما ينتظره في البيت, كان الشارع خاو تماماً كذلك إلا من ميكروباصين تويوتا يسيران جنبا إلى جنب في منتصف الطريق بتمهّل يسمح لسائقيه تبادل حديثا طويلا, لم يكن في مزاج عكر, لكنه ضغط على الكلاكس عدة مرات ليفسحا له مجالاً, لمحهما يتطلعان إليه في المرايات بسخرية, حافظا على تمهلهما لفترة, فواصل الضغط على الكلاكس بعصبية, بعد فترة فتحوا له مجالا ضيقا ليعبر بينهم, فضغط على البنزين ليمرّ, فأغلقا الممر في مهارة, ضغط على الفرامل و هو يسمع ضحكا هيسيرياً, و هكذا إلى نهاية الشارع, كانوا قد تلاعبوا به تماماً إلى حد أنه أوشك على الاصطدام بعمود نور جانبي في محاولة يائسة لتخطيهما من الجانب, انفعل و أخرج رأسه و سبّهما بعنف, أشار أحدهما إلى الآخر و غمز, فانطلق الأخير بينما ضغط الأول على الفرامل بشكل مائل مجبراً إياه على الوقوف ثم وثب من التويوتا, لم يكن هناك بد من الاشتباك, نزل من الهوندا وهو يصرخ بغضب, اقترب منه الميكروباصجي و صرخ فيه بالدور وسأله عن جهة شتائمه, لم يكن الميكروباصجي غاضباً, بدا كأنه مستلذّ تماما بما يحدث, بنصف ابتسامة و أداء استعراضيّ, و وجه أشبه بكلب بيت بول حليق, شعر بالخوف و لم يكن لديه أي خطة واضحة أو توقع لما قد يحدث, وقبل أن يعاود الصراخ, كان الميكروباصجي قد دفعه في صدره فطوّحه بعيداً, لم تكن الدفعة قوية تماماً, رغم قساوتها على عظام صدره الطرية, لكنه بعد أن تطوّح حاول الثبات و بالفعل توقف للحظة, لكنه سقط على نحو مفاجئ, تعثّرت رؤيته للحظة و اختلطت وتشوشت و سقط, تجمع واحدا أو اثنان محاولين فض المسألة, حاول أن يتماسك لينهض بينما الميكروباصجي يسبّه و يثب إلى تويوتاه و يطير, أعاده المخلصاتية إلى الهوندا, لم يكن قد عاود اتزانه بعد, فاستسلم للأيادي التي رفعته من على الأرض و قرّبته من سيارته مودّعا بعبارات تطييب الخاطر, قبل أن يتحرك بالهوندا انتظر لحظة, عدل من وضع النظارة على عينه و التقط أنفاسه, لم يكن الدم قد عاد بعد للتدفق في رأسه و عينيه بشكل طبيعي, و طوال الطريق إلى البيت كان يرتجف بعنف, يتخيل سيناريوهات أخرى محتملة, شعر بثقل في جبهته و مشاعر حلمية تماما تجاه ما حدث, و في لحظة قاسية _ بعد أن فتح باب البيت و خطا إلى غرفة النوم_حين رأي زوجته نائمة في سكينة, ضغطت الدموع ببشاعة على عينيه, كان لا يزال يرتجف وهو يندسّ إلى جوارها و يحيطها بذراعيه و يدفن رأسه بينها و بين الوسادة, فكّر أنه كان بالفعل غير قادرعن ردّ الميكروباصجي عن نفسه بأي حال, هشّا و معرضا لجميع الاحتمالات المفزعة , شعر بهلع خالص, بهشاشة حياته الهادئة, تفاهتها و ضآلتها الفعلية, بهشاشة وجوده و أسرته الصغيرة, زوجته و ابنته الرضيعة في الحجرة المجاورة, النائمتان في اطمئنان كامل, هو سببه الأوّل و الوحيد, فانتابته وحشة غير محتملة, يتذكّرها الآن كأنه يسترجع نسخةً غير كاملة مما حدث متضمنة إحساسه ذاته, نجح بمرور الوقت, عبر تكرار و معاودة التذكر دون توقف, بتمرير نسخة أخيرة, سريعة و جامدة و مبتسرة, تسمح له باستعادته ذهنياً فحسب, دون أن تنتابه نفس المشاعر بشكلها الأول, الذكرى كلها اتخذت كياناً ذهنياً منفصلاً, مختلفا بالمرة عن استعادة أي ذكرى عادية أخرى, كأنها لم تحدث, لكنها موجودة بشكل ما, لتؤدي دورها كسوط حوذيّ عكر المزاج يحرّكه في الاتجاه المناسب. انفصل عن ذاكرته ليلمح على الرصيف, بالقرب من مسرح السلام, أمين شرطة ضخم الجثة يستوقف شابا و فتاة و يدير حواراً غير ودي مع الأول, كان يعرف الأمين المشهور بتسليته اليومية في المكان باستيقاف أي شاب و فتاة يبدوان قابلين للتشكيل عليهما دون مشاكل, فيفتّش الواد و يتلذذ بإهانته أمام المزّة ملمّحاً و مصرّحاً بشكه فيهما, البنت كانت تقف على مسافة خطوتين منهما و الشاب يحاول بكل العبارات الودية و اللطيفة تفادي أي مشاكل مع الأمين الذي يتفحّص بطاقته بتمعّن و امتعاض ممهداً الطريق للخطوة التالية, شهرة الأمين كانت ذائعة في المنطقة بالفعل, لذلك كان هناك متفرجين بالقرب, من حرّاس البنايات و المخبرين المنتشرين بطول الشارع, شعر بالحظّ, فتح تابلوه الهوندا و سحب طبنجته و دسّها تحت السترة بين حزامه و جنبه, يميل بالهوندا إلى الرصيف و ينزل بمحاذاة الضبطية الاستعراضية, و قبل أن يتجه مباشرة إلى الأمين كان قد رفع صوته : إنت بتفتشه ليه يلا...التفت إليه الأمين في استنكار بالغ, وانتبه الجمهور بالخلف, أزاح طرف سترته برشاقة ليخرج علبة سجائره من جيبه فيلمح الأمين الطبنجة لامعة في مكمنها, رد عليه بحذر مشوب باستنكار خَفَت قليلا: اشتبهت فيه.., سأله بلهجة باردة وهو يميل رأسه إلى الولاعة كثيرا و يسحب عدة أنفاس صغيرة: ليه.., أمين الشرطة ينظر إلى الشاب الذي وجم تماماً ثم يجيب: شكله مبرشم..فيه حاجة يا بيه؟, يبتسم وهو ينزل السيجارة من فمه و يشير بها إليه: و إنت بقى اللي شكلك إبن ناس؟, يصمت الأمين تماماً و يحدجه بنظرة جامدة, نظرة كان يعرفها تماماً و يقيّم حجم الارتباك الذي تعنيه على الرغم من قسوتها البادية, فعلا لا شيء يفوق الخبرة, يسحب نفسا من سيجارته و يشير إلى الشاب و الفتاة أن ينصرفا, فتحركا بسرعة بعد أن ناول الأمين الشاب بطاقته, تابعهما إلى أن عبرا الشارع ثم مال إلى أمين الشرطة محدقاً في عينيه الجامدتين وهمس: لو شفت ** أمك بتفتش أي واحد في الشارع ده تاني..حنيـ*ك...هه. تجمّد وجه الأمين و توقف عن الرمش, فعاجله: أشوفك بس مرة تانية و ابقى قول المقدم علاء رمضان قال.ثم ألقى السيجارة و دهسها و أعاد الـ بوليس السوداء الكبيرةعلى عينيه ببطء. بخطوات ثقيلة محسوبة استدار و خطا إلى سيارته, فتح باب الهوندا سيفيك و وثب فيها برشاقة, لمح الأمين لازال مثبّتا في مكانه يتابعه مبتعدًا, تضاعفت في عروقه لذة هائلة وضغط على البنزين.
4
دخل البيت و نادى عليها, غنّي بمزاج عال من الباب إلى غرفة النوم, كانت حصيلة اليوم : عامل كاشير, مسح به أرضية السوبر ماركت الفخم, كان قد لمحه يعنّف إحداهن على رغبتها في إعادة عبوّة مسحوق بعد أن مررها على ماكينة الباركود, أجبره في النهاية على الاعتذار لها علنياً بعد أن كان يلوّح لها منذ دقيقة أنه مش شغال عند أبوها, جامعيّ طموح, قطف ردف زميلته بالقرب من سور الجامعة, هشم أنفه و حطم كل أوراقه الشخصية و سلمه للدورية, دخل غرفة ابنته فلم يجدها هناك, سألها عنها بصوت عالٍ فترد عليه من المطبخ: تلعب عند الجيران, يبتسم و يستلقي على فراشه بتلذذ, المتعة كلها تكتمل بعد أن يعود إلى البيت, ثم يبدأ في استرجاع الأحداث, لابد أن ذلك ما كان يفعله بات مان بعد العودة من جوثام سيتي, الاستلقاء و التذكّر, ربما يفكر في المستقبل في صنع شعار مميز له أو طريقة لاستدعائه, فيظهر من بعيد في الهوندا سيفيك, يبتسم ثم يتثاءب, أيام كثيرة كان ينزل بالفعل من البيت دون أي رغبة في الذهاب إلى العمل, فقط يدور في الشوارع بالهوندا مفتشاً عن الفرائس..
تدخل عليه فيبستم لها ابتسامة واسعة, تقفز إلى حضنه, فيضمها إليه ضاغطا على جسدها الناعم بعضلاته الصلدة, مستمتعا بالفكرة, أنه يستحق الآن كل خلية حية فيها, دون أن ترواده أي هواجس بشأن ذلك أو منغصات من أي نوع, ينسجمان في مضاجعة هادئة, يتحرك بنشاط أكثر فتضخ أنّاتها الصغيرة المزيد من الدم في عضلاته, تنتابه نشوة غامرة مخلوطة بزهو فيغيب لوهلة في ذاته, ثم ينتبه على تأوّه حقيقي متألم, كانت تطلب منه التمهّل وهي تتملص برسغيها من تحت قبضتيه المغلقتين عليهما بعنف, يخفف من ضغطه و يلاحظ بدهشة أنه كان عنيفاً فعلا وهو يرى آثار أصابعه على رسغيها, قالت بلوم وهي تفتح يديها و تغلقهما عدة مرات : كنت حتقطع لي إيدي.. أنا بقيت بخاف منك على فكرة..,يبتسم, فتؤكد له وهي تضحك : لا بجد...إنت بقيت بتفكرني بظباط الشرطة ..فوَجَم .
5
لمحه على نحو خاطف, فشعر بانقباض هائل, مال بالهوندا إلى اليمين, و نزل بسرعة, كان لا يزال هناك, أمام كشك في نفس الشارع, قصر العيني, ماداً يده بالنقود إلى البائع, توقف أمامه مباشرة, تأمل ملامحه عن قرب ليتأكد أنه هو, تأمله بعمق بينما يناوله البائع علبة سجائر و البيت بول يهمّ بالعودة إلى الميكروباص, المركون بالقرب من الكشك متسبباً في إعاقة طفيفة للشارع, لم يكن بحاجة إلى استدعاء أي كراهية إضافية, أزاح سترته لتظهر الطبنجة جيدا, ثم اعترض بذراعه البيت بول : بطاقتك, لم يفهم البيت بول جيداً, التفت إليه في دهشة و تدلت شفته المقلوبة قليلا حين لمح الطبنجة, بطاقة إيه يا بيه, إنت حتستهبل يا روح أمك, أمسك بتلابيت البيت بول جيداً, و شده إلى الحائط المجاور إلى الكشك, هبده على الحائط فنزل بعض الركاب للتخليص, سايب أم الميكروباص في الشارع ولا كإنك راكنه في أوضة نوم أمك, لم يرد البيت بول, صمتَ تماماً وهو يرمقه بنظرة حيوانية ثابتة, حاول بعض الركاب تهدئة الأمور, خلاص يا باشا, معلش يا باشا, لكنه كان قابضا على تلابيب البيت بول بقبضة مغلقة واحدة , يدفعه بها في عنف إلى الجدار, كأنه يوازن بين قوة كل منهما الجسدية الآن و بينها في لقاءهما الأول, كان يرى نظرته الحيوانية اللامعة في عينيه القبيحتين البارزتين تحت جفنيه, فتطفح من صدره الكراهية, مرّة و حارقة, يحدق في وجهه الكلبيّ و يتذكر ما حدث, يتذكر كل الليالي التي قضاها مشوّشاً و مفصولاً عن حياته, أرقاً و مهاناً و مفزوعاً, عشرات الساعات في صالة الحديد, التمرينات الطويلة على الأداء: الصراخ أمام المرآة, ضبط اللهجة, محاكاة مشاهد الاشتباك, كان فيها البيت بول دائما هو الخصم, متحرّشا بزوجته, أو ابنته أو معترضاً طريقه في شارع مظلم, جولاته الطويلة في الشوارع, و فرائسه المرتعدة, و الآن, و بعد كل ما حدث, بعد كل ما كلفه, و بعد كل ما ناله, يرمقه البيت بول بهذه النظرة الجافية القبيحة دون أي توسل أو شعور بالرهبة أو الاستعطاف, سحب الطبنجة و ألصقها في صدغ البيت بول الذي تجمّدت ملامحه على تلك النظرة الحيوانية الجامدة, تعالى الصراخ من وراءه في هلع: خلاص يا باشا...خلاص يا باشا, ضغط على الزناد.
21 comments:
روعه بجد
حلوه بشكل مبالغ فيه :)
انا منبهر
تحفه فعلا
أنا مش متخيل حاجة بالإتقان ده. أذهلتنى :)
الله
انت ملكش حل بجد...كل حكاياتك أروع من بعض
اللــــــــــــــه!
القصة جميلة جداً؛ دائماً ما تعدل كتاباتك من مزاجي. أنا عايزة أعمل كده أنا كمان أعيش يومين آخد بتاري من كل واحد فكر يكسر علَي أو أي تاكسي أو ميكروباص وقف الطريق بمنتهى البلطجة.. أكيد احساس مريح جداً :)
القصة بكل تفاصيلها رائعة.
أقول لك حاجة
أنا محسيتش إني اتفاجئت لما قتل سواق المكروباص في الاخر
كنت متوقعة ده تماما
عشان كدة كان بيتهيألي لو خلصت على جملة مراته كانت هتبقى أحسن كتير
بس بشكل عام وكالعادة
استمتعت كثيرا :)
أنت أكتر واحد في الجيل ده كله بحب قصصه، بخليها في لحظات خاصة دايماً، مع الشاي ولوحدي علشان استمتع بكل حرف مكتوب، بجد يا محمود أنا بعشق قصصك والقصة دي تحديدا من أجمل القصص اللي قريتها في حياتي، طول عمري بسأل نفسي السوبر هيرو في مكان زي مصر ممكن يبقى عامل إزاي، وإيه المهمات اللي ممكن يعملها، دي أصدق وأقرب صورة للسوبر هيرو المصري فعلاً، شكرا ليك من القلب على كل كلمة كتبتها
انا من بكرة هشترى طبنجة واعمل باشا
مفيش حد احسن من حد وك**م اى امين
بس بجد انا حبيتك من قصصك وشعرك ونفسى اكون زيك
حلوة أوي يا محمود
اللغة و السرد - إنت سردك يعقد يا راجل
فعلا في منتهى الجمال
بس أنا مع ملكة شوية
أعتقد لو بس مكنتش وقفت عند ضغط على الزناد كانت هتكون مفتوحة أكتر و حسيت إنها محتاجة ده
تسلم إيدك
ازيك يا نور
قصة جميلة
تحياتي
بوست رائع ومدونه تحفه
جميل يا محمود
عارف يا حودة مشكلتك إيه؟ إنك بتشيأ كل حاجة كأن الممتلكات هي محور الوجود عندك.....تخيل فيلم اسمه الأباجورة...وهي محور الأحداث بيستخدمها البطل في جريمة قتل لأنه بيخاف من الضلمة .... الهوندا سيفيك عملالك نفس الأزمة ..... عارف الهوندا اللي انت خلتها موضوع قصتك المحوري و البارز بدافع شعورك المفزوع نحو التشيؤ للخلاص من مشاكلك الاجتماعية و الطبقية اللي مسببالك أزمة نفسية كبيرة في كل تدويناتك.... عارف ثمنها كام؟
فيه منها ثلاث أنواع : إتنين بمحرك بنزيني والثالث بمحرك ديزل
يتراوح سعرها باختلاف الكماليات بين 16.000 $ و 23.000 $ دولار
http://automobiles.honda.com/civic-sedan/
Thank you for your wonderful topics :)
شكرا على الموضوع ..)
Thank you for your topic and great effort
Thank you for your wonderful topics :)
شكرا ع الموضوع
thx
كشف تسربات المياة
غسيل خزانات
شركة نظافة عامة
Post a Comment