مارتينا
1
رفع "مينا" الصوت إلى الحد الأقصى, وحين تأكد أن السمّاعتين قد عزلتاه تماماً, أراح الموبايل على فخذه ثم أراح رأسه على المسند منتظراً اكتمال حمولة التويوتا أكتوبر_ مؤسسة.
سماع الأغاني من ذاكرة الموبايل لم تكن هواية مينا المفضلة في رحلات الميكروباص الطويلة, دائماً ما كان يخشى أن يحادثه أحدٌ فلا يسمعه, هناك عقدة ما لدى "مينا", أنه يجب أن يكون حاضراً في اللحظة, لأسباب معقّدة, منها ما هو في المستوى التحتيّ من وعيه, قلقه من صورة الشاب ذي السمّاعتين في أذنه, اللامبالي, وهي صورة مشوّشة في ذهنه كونها غير مشوبة أخلاقياً, لكنها شائعة بشكل سلبي ما لأن تدفعه إلى محاولة تجنبها. لكن على ما يبدو ليس اليوم, خاصة بعد أن بدأت "مارتينا" _ابنة خالته_ تلتفت لوجوده النحيل, ممرّرة إليه إشارة خفيّة بأنها قررت أن تلاحظ اهتمامه, بعد تعالٍ طويل سابق, لذلك قرر "مينا" أن يقضي المسافة كاملة من أكتوبر إلى شبرا, يسمع "ليدي جاجا", التي رشحتها له "مارتينا" نفسها, أعاد تثبيت السماعتين في أذنيه جيداً, عدّل وضع النظارة الطبية بسبابته, أغمض عينيه ثم عقد ساعديه أمام صدره, بينما كان أحدهم يستقرّ إلى جواره بفظاظة, فارتطم كتفه بكتف "مينا". "مينا" اعتاد منذ زمن على جلافة أصلية في الأداء الحركي لكثيرين, أو من اكتشف مع مرور الوقت أنهم ليسوا استثناءً: الذين لا يقدّرون كثيراً مسألة المساحة الشخصية للجسد, لكنه لم يهتمّ على كل حال, حتى بعد أن ظلت همهمة الرجل تتصاعد, تململ "مينا" محاولاً تجاهل الأصوات الخافتة المتناهية إلى أذنيه تحت صراخ ليدي جاجا العنيف, لم يتوقف جاره عن الفرك, والهمهمة و التماسّ بكتفه ثم التباعد, فعمّق "مينا" في ذهنه رغبته في الاندماج, بتخيل "مارتينا" ترقص على الإيقاع الدائري للأغنية, كان المشهد فاتناً, دفعه إلى تخيل ذاته يشارك "مارتينا" الرقص بشعرها الطويل المنسدل, لكنه بدأ يفكّر خلال المشهد: هو بجسده النحيل و نظارته الطبية و ملامحه المنمنة أمام مارتينا ناضجة الجسد و الحسن, فأوجعه أن يتفهّم لأول مرة على نحو واعٍ, على نحو مرئي كامل, منطق "مارتينا" السليم في تجاهل اهتمامه, شعر "مينا" بمياه دافئة كثيرة تندفق على وجهه و ذراعيه, فتح "مينا" عينيه, فرأى على زجاج نظارته الطبية سائلاً أحمر, نظر إلى جواره, كان جاره في الميكروباص مذبوحاً, و آخر يقف خارج الميكروباص بمدية في وضع أفقي, بينما يتأمله من الخلفية خلقٌ كثيرون بأحداق متسعة و أفواه مفتوحة, بلا أصوات, "جاجا" فقط تكرر: آي وونت يور باد...باد رومانس..
2
حين نزل "مينا" من الميكروباص ملطخا بالدمّ, عرف من حكي الركاب, لآخرين كثيرين, أن أحدهم كان يصرخ مع جاره في الميكروباص, كان يطلب منه أن ينزل, لكن الأخير رفض, ألحّ الأول وطلب منه أن ينزل ليتفاهما, فرفض جاره واشتبكا في سباب عنيف, فأخرج الأول مديته و أنهى الأمر, و لم يكن كل هذا مشكلة "مينا" في المقام الأول, بل كيف سيرجع إلى البيت بملابسه الملطخة بالدماء على هذا النحو, شاعراً بأسىً حقيقي على التي _شيرت الموباكو الأبيض المفضل لديه. وقف "مينا" ذاهلاً للحظات, عاجزاً عن التفكير, انطلق الميكروباص بالمجني عليه في محاولة لإنقاذه في أي مستشفى, بينما سحب آخرون الجاني إلى حيث لم يهتمّ "مينا", لم يعرف "مينا" كيف يتصرّف, الموقَف انقلب رأساً على عقب, ثم عاد كل شيء مرة أخرى إلى هدوءه, إلا من واحد أو اثنين يتحدثان في الموضوع, أقصى تعاطف حصل عليه "مينا" كان منديلاً من راكب ليمسح به وجهه و نظارته, احتاج بعده منديلين آخرين, طلبهما بنفسه.
قرر "مينا" أن عودته بهذا الدم على صدره خطر كبير, خاصة في مثل هذه الظروف التي تمر بها البلد, لذلك توجه مباشرة إلى أقرب نقطة للجيش, الدبابة الرابضة بالقرب من مسجد "الحصري", سار إليها بهدوء وهو يعدّ الكلمات المناسبة لشرح الأمر, وعلى مسافة عشرين متراً, أول ما لمحه عسكري الورديّة أمام الدبابة, تشنّج الجندي و سدد إليه بندقيته وهو يصرخ: مكانك..اثبت مكانك, ثبت "مينا" مكانه, رفع يده محاولاً أن يشير للجندي أن يهدأ, فصرخ الجندي: إيدك جنبك.., وثب ملازم أول من وراء الدبابة, ملقيا سيجارته بعيدا و مسدداً مسدسه الميري وهو يصرخ في صرامة: اثبت محلك..ارقد مكانك, أطاع "مينا" الأمر, تمدد بطوله على الأرض, أراح خده بهدوء على الأسفلت البارد في استكانة كاملة, وهو يفكر أنه من الأفضل ألا يتفوّه بأي شيء إلا بعد أن يقترب منه أحد, ثوان طويلة مرّت قبل أن يرى مينا بيادة الجندي مباشرة أمام عينيه, ويسمع الضابط : "عمل إيه الواد ده؟", "كان جاي ناحيتي يا فندم و هدومه كلها دم", "قوّمه", شده الجندي من ياقته بعنف, فنهض, "إيه الدم ده ياض", رفع "مينا" عينيه من وراء النظارة الطبية إلى الملازم, ثم خرج صوته من حلقه بصعوبة: "واحد ضرب الراجل اللي جنبي في الميكروباص بالمطوة في رقبته, هناك." ثم أشار تجاه الموقَف, تأمله الملازم للحظات, ثم سحبه الجندي وراء الملازم في اتجاه الموقف, وهناك سمع الملازم القصة كاملةً, واستفسر عن موقف "مينا", فهزّ الجميع رؤوسهم بعدم معرفتهم لأي شيء بخصوصه, لم يكن هناك شاهدا واحداً متبقياً, لكن الملازم بعد أن رأي بطاقته الشخصية, المكتوب فيها: طالب, قرر أن يخلي سبيله, آمراً "مينا" بلهجة حازمة, مشيراً تجاه المحوَر: يلا..إمشي من هنا.
3
في الميكروباص, وبعد حوالي 10 دقائق من الانطلاق على المحور, انفجر "مينا" في البكاء, بكاء خفيض دون صوت, كان وحيداً في الكنبة الخلفية, فلم يلاحظه أحد, خاصة حين تذكر "مارتينا", وتخيلها تربّت عليها في شفقة حيال سماعها ما حدث, اتصل "مينا" بأخيه, حكى له ما حدث, فطلب منه أخيه أن يعود إلى بيت الخالة و يقضي الليلة هناك, كي لا يتعرض للخطر, كان "مينا" يعرف أن اللجان الشعبية لا تزال تقف في "شبرا", لكن احتمال عودته إلى خالته _ ومارتينا_ بهذا الشكل كانت منعدمة, نزل "مينا" في "غمرة", ثم ركب إلى "شبرا", نزل على بعد خمسة أو ستة شوارع من منزله, سار قليلاً, على ناصية أحد الشوارع لمح الواقفين وراء متاريس حجرية صغيرة, اقترب من اللجنة الشعبية الساهرة, كان قد رتّب الحوار في ذهنه جيداً, توقف "مينا" للتفتيش تلقائياً, سمع أحدهم يصيح: "قابل يا كالابالا", اقترب منه "كالابالا" _ أوائل الثلاثينيات ضخم الجثة_وقال بصوت خشن وهو يشير إلى صدره دون مقدمات: "إيه الدم ده؟", ارتبك "مينا", تجمعت اللجنة كلها أمامه, ثم بدأ يحكي, "أصل واحد كان جنبي في الميكروباص واحد جه و ضربه بمطواة في رقبته فالدم جه عليا", ردّ كالابالا وهو مندمج في تحسس جيوبه نازلاً إلى تحسس ساقيه: لا ياشيخ.., اقترب رجل أربعيني بلحية صغيرة: "فين بطاقتك يابني؟", أخرج مينا محفظته, فسحبها منه "كالابالا" بعنف, أخرج منها البطاقة, نظر فيها ثم سلمها للأربعيني بينما يردد على نحو موقّع مسددا نظرة جامدة إلى "مينا" :" مينا.. فهمي.. غبريال". كانوا ستة أو سبعة, كالابالا و الأربعيني و أربعة شباب في مثل عمر "مينا" يمسكون بأنماط متعددة من الأخشاب و الحدائد متفاوتة الطول,التفوا حوله يقلبون النظر في التي شيرت, أحدهم مدّ يده و رفع التي شيرت إليه ليراه جيّداً, دون أن يلتفت إلى أنه يكشف بطن "مينا" بشكل كامل, انزعج ميناً تماماً من حركةٍ كهذه, لكنه كان في وضعٍ يستلزم انصياع كامل للرغبات الشعبية, فجأة, وقبل أن ينتهي الأربعيني _ مأمور اللجنة الشعبية_ من فحص هوية "مينا", صرخ "كالابالا": يا نهار أبوك إسود. "كالابالا" كان يرفع صورة 4 x 6, لفتاة محجبة, أخرجها للتو من محفظة "مينا","شايل صورة البتّ دي معاك ليه يلا.", بصوت مذعور :"دي نجوان, زميلتي في الكلية و صاحبتي من أيام ثانوي والله", "وشايل صورتها ليه", "هي اللي إديتهاني وأنا كمان إديتها صورتي", "ليه إن شاء الله؟", "عادي والله مفيش حاجة يا كباتن", أدار "مينا" بصره بابتسامة مترددة في أعضاء اللجنة الذين كانوا يبادلونه نظرة قاسية, "ده إنت نهار أمّك مش فايت" , هتف "كالابالا", ثم قرر الأربعيني أخيراً ان يتحدث: "حطّوه جوا في الحوش دلوقتي لحد ما نشوف حنعمل فيه إيه", "ليه بس كده يا حاج أنا ساكن في شارع "عبده نصحي" بعدكم من هنا و والله ده اللي حصل", أعاد الحاجّ تأمله مرة أخرى, دبّ الأمل في قلب "مينا", توسّم خيراً في الحاجّ, الذي هزّ رأسه بحكمة, ثم أشار إلى الشاب, "خدوه جوا في الحوش", قيّده الشباب بحماس, فاستسلم "مينا", قادوه إلى مدخل بناية قريبة, وهناك, أجلسوه و ربطوه في الباب الحديدي للبناية, وجلس بجواره واحد منهم يحدّق فيه على نحو ثابت, و من مكانه, كان "مينا" يرى عبر فتحات البوابة اللجنة وهي تعود لروتينها الطبيعي, كالابالا في المقدمة, الحاجّ مع الشباب بالخلف.
4
دائماً ما كان يشعر "مينا" أنه ليس جديراً بـ"مارتينا", حتى لو قررت أن تهتم به, هو بشكل أصلي ليس جديراً بها, "مارتينا" يليق بها رجل شجاع, رجل صلب حاضر الذهن, ليس لديه ما يقلقه من الآخرين أو يهزّ نبرة صوته في مواجهة أي أحد, على نحو ما حدث منذ قليل, موقفه كان مخنثاً تماماً مع اللجنة الشعبية, لم لم يرفع صوته و يثبت عينيه بقوة في عيني كالابالا وهو يخبره أنها فعلا مجرد صديقة وأنه ليس من حقه تفتيش محفظته ولا من حق الشباب تعرية بطنه ولا فحص التيشيرت, موقفا كهذا كان ربما يقنعهم أنه فعلاً ليس لصاً أو مشتبهاً فيه, أنه فقط شخص تعرض لسوء حظّ مفرط, لكنه كالعادة انكمش وخرج صوته رفيعاً مبحوحاً يطلب الرحمة, ماذا لو رأته "مارتينا" مقيّداً كالخروف إلى حديد باب البناية, كونها لم تره, لا ينفي أنه قد حدث بالفعل, وأنه بات يشكل جزءا من تاريخه الشخصي إلى الأبد, مما لا يسمح له أبداً أن يكون جديراً بواحدة مثل "مارتينا", سمع "مينا" جلبة بالخارج, رفع رأسه ليرى من وراء حديد البوابة, دورية شرطة على أول الشارع , يتبادل قائدها مع "كالابالا" حديثا ما, التفت بعده كالابالا و أشار في تجاه الشاب المكلّف بحراسة "مينا" فنهض وتحرك إلى الخارج, لم يكن ما مرّ بخاطر "مينا" ساعتها مجرد هاجس سيء, فقد عاد الشاب بصحبة كالابالا و الشباب وفكّوه ثم اصطحبوه إلى الدورية مقيد اليدين, في سيارة الدورية كان هناك ضابط وثلاثة أمناء شرطة, أحدهم على مقعد القيادة جواره الضابط, وأميني شرطة بالخلف, جميعهم كانوا ينظرون إليه باستغراب, قال "كالابالا": هوّ ده.., فأشار الضابط: هاتوه, نزل أحد الأمناء من الخلف و دفعه في السياره ثم ركب ليحصره بينه و بين زميله على الكنبة الخلفية, لوّح الضابط لكالابالا و الشباب بابتسامة واسعة ودودة: حنعدي عليكم تاني..لو فيه حاجة بلغونا على طول.. ربنا يخليكم لمصر يا شباب..ربنا يخليكم لمصر..
5
فتح الملازم أول المحفظة, وأخرج منها بطاقة مينا, ثم صورة "نجوان", هزّ الملازم رأسه ثم التفت إلى "مينا" بالخلف وغمز وهو يقول: فورتيكا صحّ.., لم يعرف "مينا" كيف يردّ, أو إن كان من المفروض أن يردّ, عرض الملازم الصورة على الأمين قائد السيارة الذي اختلس إليها نظرة نهمة, ثم عاد ببصره إلى الطريق, ثم دارت الصورة على الأمينين بالخلف, سأله الملازم: مين دي ياض؟, بلع مينا ريقه, ودّ لو يعلق مبدئيا أنه ليس من حق الملازم أن يكلمه بهذه الطريقة, لكنه قرر أن يكون أكثر حكمة, "دي واحدة صاحبتي من أيام ثانوي", "وإيه الدم اللى على هدومك ده؟" قالها الملازم وهو يواصل تفتيش المحفظة, تمنى "مينا" من أعماق قلبه ألا يحدث ما يخشاه, لكن الملازم فعليا كان قد وجد صورة مارتينا, صورة صغيرة لمارتينا بالحجم الكامل, رفعها الملازم أمامه ليراها جيداً وهو يقول بحماس: أوففففففف..., التفت الأمين قائد السيارة ليلقي نظرة بينما اعتدل الأمينين بالخلف في فضول, تمالك "مينا" نفسه قدر الإمكان, ظل صامتاً يحاول ترجيح كل الاحتمالات, لكن الملازم ردد وهو يتأمل الصورة و يعض شفته السفلى: وتكة..المسيحيات برضه حاجة تانية يا معلم. لم يكن هناك المزيد من الصبر لدى "مينا" إزاء ضغط كهذا, " مش من حقك إنك تشوف صوري الشخصية...إنتوا واخدنّي على فين ؟ " التفت إليه الضابط مبتسماً: إيه ده...دا إنت بتتكلم ؟, انفجر الأمناء في الضحك, "لا ياحبيبي..من حقي أفتّشك و أشوف صورك وصور مززك و أرميك في الحبس كمان لو تحب..ده قبل ما نشوف الدم اللي على صدرك ده قصته إيه..فين موبايل الواد ده", تناول الضابط موبايل مينا, فتحه و بدأ التقليب في الصور, كان صوت تنفس مينا عالياً, كان يحاول أن يهدأ ليرى نهاية للكابوس الليلي الطويل الذي يعيشه, أشعل الضابط سيجارة وهو يتفحص الموبايل بتركيز, تحدث الأمناء قليلاً عن ميعاد انتهاء الدورية, "طيب لو سمحتوا أكلّم أهلي", لم يردّ أحد, فجأة هز الضابط رأسه ثم نظر إلى "مينا": "آآآه... إنت من شباب التحرير بقى ...و متصوّر لي جنب الدبابةكمان" ضحك الملازم ضحكة صغيرة في تهكم, نفث الضابط دخان سيجارته ثم قال: عايزك تعرف إنك إنت و كل عـ*ص مدّ إيده على سيده إن حسابكم معانا تقيل.., لم يفهم "مينا", أو لم يستوعب موقف الضابط, فكّر أن يخبر الضابط شيئا من قبيل أنه لم يكن مع الذين أحرقوا الأقسام, أو بشكل أكثر عمومية أن شباب التحرير كانوا سلميين, لكن الضابط واصل : "إنتوا من غيرنا حتولولوا..قال لجان شعبية و خرا..دا إنتوا حيطلع دين أبوكم ..إنتوا لسه شوفتوا حاجة", اقتربت الدورية من نهاية الشارع الرئيسي, "إلحق يا باشا" قال قائد السيارة, انتبه الضابط, "فيه لجنة على أول الشارع", اعتدل الضابط, بدا لـ"مينا" أن اللجنة الشعبية في مكان غير اعتيادي, أو مفاجئ للدورية, توقفت الدورية أمام اللجنة المكونة من عشرة أفراد يحملون أسلحة بيضاء, ذوي ملامح إجرامية أصيلة, "رخصك يا أسطى", قالها أحد أفراد اللجنة بابتسامة خفيفة, بينما يبتسم بقية أعضاء اللجنة في الخلف في تشفٍ واضح, ابتسم له أمين الشرطة كأنه قد قَبِل المزحة ثم قال: عاش يا رجالة..ربنا معاكم, "لا ياخفيف..لا عاش ولا مات..رخصك", بدا أن اللجنة ليس لديها نية لتبادل أجواء ودّية ليلية مع الشرطة أو لا تتضمن قناعاتهم بعد أن "الشرطة و الشعب..إيد واحدة", نظر الأمين إلى الضابط, الذي مال على الأمين جواره ليرى عضو اللجنة ذي السيف ثم قال: يا كابتن خلاص..إحنا هنا بنأمّن الدنيا معاكم..ملوش لازمة يعني الكلام ده. قلب عضو اللجنة شفّته ومال ليرى الضابط: لا يا نجم..إحنا حنشوف كارنيهاتكم واحد واحد و رخصة العربية و حتنزلوا و حنفتشها كمان, نزل الملازم بغضب, ثم توجه إلى الشاب وهو يصيح: "يعني إيه مش فاهم..إنتوا واقفين هنا بتعملوا إيه..ده شارع عمومي..إنتـ..", من زجاج الدورية الأمامي, رأي "مينا" المشهد على نحو بانورامي, عضو اللجنة يقترب بشكل متزامن من تحرك الضابط نحوه, يصطدم به بصدره, الضابط يفتح عينيه على اتساعهما, يحاول أن يدفع العضو بعيدا عنه, فيهجم الشباب من الخلفية..
6
رأى "مينا" المعركة كاملةً من زجاج السيارة الأمامي, كان هناك مجموعة يسحلون الضابط, التفوا حوله في البداية, أمسك أحدهم بحزام بنطاله الميري الأبيض الناصع, وآخر من ياقته الميري المزيّنة بالدبوس الذهبي بينما رفعه أحدهم من الخلف من حِجر البنطلون إلى الوراء, تأرجح قليلا في الهواء بنظرة مذعورة, ثم بدأت الحفلة, كل أمين شرطة كان يسحل من اثنين على حدة, لم يلاحظ أحداً وجود كائن نحيل في السيارة يحدق في المعركة بذهول, ولا يعرف"مينا" لمَ لم ينزل ويجري في أي اتجاه, مرّ بذهنه لوهلة أن يفتّش عن محفظته و موبايله في السيارة, لكن قبل أن يبدأ فعلياً في أي حركة, كان قد وصل إلى السيارة شابين بدءا يدفعانها من الجانب بعنف, فهم "مينا" من مشاهداته أثناء الثورة أنهم يريدان قلبها, لحرقها ربما, فصرخ وهو يتحرك خارج السيارة, لمحه أحد الشابين فجرى وراءه إلى نهاية الشارع, كبّله وعاد به إلى جوار الضابط فاقد الوعي وأمناء الشرطة المقيدين متواصلي الولولة, حاول "مينا" أن يوضّح موقفه بشتى السبل: "يا كباتن والله أنا مش معاهم", لكن عضو اللجنة كان متحمساً لحرق السيارة على نحو جارف, ربطه جوارهم, ثم عاد إلى زملائه حول الدورية, قلبوها, ثم أشعلوا فيها النار..
في الفجر, حينما وقف أمام "مينا" ضابط الشرطة العسكرية, لم يكن هناك أي من أعضاء اللجنة الشعبية, غادروا بعد حفلة الشواء الميري, فقط كانت تلوح له من بعيد سيارة الدورية متفحّمة و يتصاعد منها الدخان, بينما يجلس مقيّداً إلى جوار الملازم والأمناء على الأسفلت, سأله الضابط عما حدث,فلم يعرف "مينا" من أين يبدأ تحديداً, سأله الضابط مرة أخرى بعنف : إنت مين يالا. فقط نظر إليه "مينا" ثم قال بصوت مبحوح: أنا مينا..
7
هل يجب أن يحكي "مينا" لمارتينا عما حدث ؟, لا, لايجب على "مينا" أن يحكي لمارتينا أي شيء, كل ما حدث لا يمثّل أي شيء, لا يشكّل أي معنى أو عبرة أخيرة, ماحدث لم يكن خطأه, ولا خطأ الثورة, ولا خطأ اللجان الشعبية, ولا بالضرورة خطأ الشرطة, ولا الجيش بالطبع, لا خطأ المسلمين, ولا خطأ كونه مسيحياً, ستسأله "مارتينا" ربما عما حدث, لأن أمه بالضرورة ستكون قد حكت لأختها طرفاً من القصة, وسيكتفي "مينا" بأن يخبرها أن ضابط الشرطة أصرّ أن يرى صورتها, فرفض, ستبتسم له "مارتينا", وسيكتفي "مينا" بذلك على العموم..
جميله ومعيره
ReplyDeleteتشكرات خالتني افهم!
رائعة
ReplyDeleteانت من الناس اللى لما بينزلوا تدوينات جديدة بانبسط)))
ReplyDeleteرائع كما أنت
ReplyDeleteلكنى بأى حق تُنسب قصة كتلك لمارتينا؟ مارتينا ليست هنا، أرجو أن تكتب عنها تباعاً :)
7lwa :D
ReplyDeleteايوووووه وربنا بننبسط
ReplyDeleteثقافة الهزيمة .. مغامرات البقرة الضاحكة
ReplyDeleteما قصة لوسي أرتين؟
ـ لوسي أرتين كانت علي علاقة بالرئيس مبارك والعلاقة بدأت عن طريق زكريا عزمي وجمال عبدالعزيز، و كان فيه رجل أعمال مشهور بيحب يعرف مبارك علي فتيات من دول شرق أوروبا وحسين سالم كان متولي دول غرب أوروبا.
هل قصر الرئاسة كان يدار بهذه الطريقة؟
- القصر كان يدار بالسفالة والأسافين والنقار والقمار والنسوان وقلة الأدب ودا كل اللي كان شغلهم ومصلحة البلد بعدين.
هي سوزان كانت بتحس بالغلط اللي كان بيعمله الرئيس؟
- هي كانت مقهورة من اللي بتشوفه والنسوان داخلة طالعة قدامها واللي جايين من أوروبا الشرقية وأوروبا الغربية ومش قادرة تتكلم وبتبكي علي طول بسبب اللي بتشوفه وأحيانا كنت بأصبرها وأقولها مصر مافيهاش غير سيدة أولي واحدة، بس بعدها قرر الرئيس أن ينقل جلساته الخاصة في شرم الشيخ وبرج العرب.
ھل تزوج علیھا؟
-لا ھو مش محتاج یتجوز .. البركة في زكریا عزمي وجمال عبدالعزیز...
…باقى المقال ضمن مجموعة مقالات الهزيمة ( بقلم غريب المنسى ) بالرابط التالى
www.ouregypt.us
جامده قوي قوي
ReplyDeleteاقولك ايه مش عارف بجد انت جبت مشاهد ورا بعض تقريبا لكل عيوب الثوره واللي حصل بعدها لكن زي ما انت قلت الغلط مش ممكن نحمله للثوره لأن الغلطات كتير قوي واسبابها اتفرقت على الكل كل واحد شارك بغلطه
طبعا لو التزمنا الحياديه والدقه هنحمل كل مخطئ بنصيبه لكن المشكله ان الحياه مش 1+1 =2
الحياه فيها الوان رمادي كتير
يمكن النهايه واقعيه ومفهومه اكتر من الواقع الحقيقي اللي حكته القصه كلها
بجد الله ينور
Thank you for your wonderful topics :)
ReplyDeleteشكرا على الموضوع ..)
ReplyDeleteموضوع ممتاز جدا شكرا لكم
ReplyDeleteThank you for your topic and great effort
ReplyDeleteThank you for your wonderful topics :)
ReplyDeleteممتاز ... ممتاز .. ممتاز جدااً
ReplyDeleteEntruempelung
Entruempelung wien
Wohnungsraeumung