Sunday, January 18, 2009

حضن أدبي


لم يقرر خالد مسبقا حضور الندوة الإسبوعية للأديب العملاق " جابرييل مسعد محمود " , لكنه وجد نفسه مدفوعا برغبة في تحطيم الملل أن يصطحب الشاعر " أحمد الطبّاخ " إلى هناك , جلسا في آخر صف في القاعة الواسعة , فكان " جابرييل " على المنصة و إلى جواره الناقدة " زينب ظاظا " ثم المعلّق الشامل " عبده ترامادول " , و كأنه إتفاق إلهي كان موضوع هذا الأسبوع هو "أدباء الأقاليم " , إفتتحه " ترامادول" بأنه رغم تعاطفه التام و تعاطيه مع حيثيات موقف أدباء الأقاليم أمام مركزية الوسط الأدبي المصري في "التكعيبة" , إلا أنه لا يمكنه أبدا أن يصمت أمام إصرار هؤلاء الأدباء على التواجد في أي تجمع ثقافي بالبِدَل الكاملة بنت الـمرة الـ****** _على حد تعبيره_ كأنهم ****** لا مؤاخذة يدللون على مجموعة ***** يا ولاد الـ ***** , و عند هذا الحد, و قد هب ّعبده واقفا وبدأ ينفعل و يتأزّم , كان هناك بالفعل مجموعة من الأدباء بالملابس الرسمية الكاملة يتململون في مقاعدهم , إضطر "جابرييل "للتدخل محاولا تلطيف الموقف بأنها فعلا قضية هامة تستحق المناقشة و أنه لا يجوز أن نتطرق إلى مثل هذه المسائل علانية هكذا لمراعاة السقف الثقافي للجمهور و التأويلات اللحظية التي لا تخدّم على أي أحد , و بالتالي فُتح باب النقاش , فانتبهت "زينب ظاظا " مديرة الندوة على إصبع يرتفع من الخلف , إصبع طويل بشكل مبالغ فيه , ممطوط و حاد يرتفع تدريجيا وراء الرؤوس , قطّبت "زينب "بين حاجبيها تستطلع الكائن , ثم أشارت إليه..إنت ..قول ...نهض خالد من على مقعده ببطء , تحرك إلى المنصة و وقف جوار الناقدة الضخمة , يحكى خالد أنه كان في مواجهة مشهد جحيمي , ذلك حين إقترب و رأى زينب بشكل واضح , سيدة بدينة جدا تشبه وكيل أول وزارة تعليم عتيدة ترتدي ملابس كاملة من التريكو , بونيه على الرأس و معطف و جيبة كلهم من نفس خيط التريكو الذي تسلّي نفسها أثناء الندوة بحياكته أمام الجمهور كأنها تغزل من و إلى ملابسها , لكن ذلك لم يمنعه من الإسترخاء بهدوء من رأي الأبشع و الأكثر جحيمية , واجه جمهوره ثم قال بصوت رخيم من عمق الحلق : أولا..أنا أحيي القائمين على هذه الندوة و أخص بالذكر السيد جابرييل مسعد محمود و ظاظا و كذلك عبده ترامادول , فنحن في الصعيد _ و أنا من سوهاج بالمناسبة _ ليس لدينا أي منابر كهذه نعبر فيها عن أنفسنا...نحن جئنا إلى القاهرة يا سادة لتسمعونا...جئنا لتسمعونا فلا تبخلوا علينا..كان صوته قد بدأ يتحشرج و صدره يعلو و يهبط من الإنفعال, إستند بكفه على الطاولة أمامه و مال بجذعه بينما غطت الأخرى وجهه في تأثر...ران الصمت على القاعة ...إعتدل خالد و أخذ نفسا عميقا..." أيها السادة...سأحكي لكم قصة شابٍ عاديّ...جاء من أقاصي الجنوب المرّ...فقط لتسمعوه.." ...حتى هذه اللحظة كان كل ما يفكر فيه " الطبّاخ" أن خالد و في نهاية أي مقطع صوتي رخيم سيشخر بشكل فجائي فتنتهي علاقته بجابرييل إلى الأبد , كان الأخير قد رآه داخلا مع خالد وهو الذي سعى طويلا ليميزّه جابرييل كمثابر على الحضور..لكن خالد كان قد بدأ يحكي بالفعل قصة حياته الكاملة , بكامل تفاصيلها , كأنه يسردها على سكرتيره الخاص المكلف بنسخ سيرته الذاتية ,واقفا على الطاولة , إلى جانبه ظاظا تتأمله بعمق و جابرييل يهزّ رأسه في تأثّر...إستمر خالد يحكي لمدة ساعة و نصف أشعل خلاله 5 سجائربوكس ثم توقف فجأة...أردف بعدها بصوت مبحوح : " أنا حارة سدّ...و بيت و عمره ما سكنه حدّ ".. اختنق صوته و غامت عيناه بالدموع ..قامت ظاظا... ربتت على كتفه في حنو...ألقي خالد بنفسه في حضنها الواسع فأطبقت عليه في أمومة ...تعالى صوت نشيجه من داخل حضن زينب الذي إختفى داخله تماما...نهضت القاعة كلها , حتى ترامادول... وبدأوا في التصفيق.. صفقوا طويلا.. أحمد الطباخ كان في الخلف ينظر بهلع في الجميع..خفت التصفيق تدريجيا.... ألقى خالد قصيدة طويلة ..وعند قوله" أنا نفسي أخف.. أخف..أخف " ..نهضت ظاظا مرة أخرى...أخفته في حضنها الذي ترجرج لدقيقة بفعل نشيج خالد ..قام الحضور مرة أخرى..يتزعمهم ترامادل...صفقوا طويلا ...جفف خالد دموعه عقب طلوعه من حضن ظاظا... ثم عاد إلى كرسيه...قام جابرييل و أعلن أنه يجب أن تنتهي الندوة الآن , ليس هناك أي مساحة لشحنة إضافية هذه الليلة , في طريق العودة كان خالد و الطبّاخ صامتين تماما , في شارع شامبليون توقف خالد و وجم تماما ..." خالد؟..مالك ياض؟ " إنفجر خالد في ضحك هستيري...توقف الطبّاخ و نظر إليه طويلا... ...." خالد...إنت كنت بتشتغلنا ؟ " , كان خالد يضحك و يخبّط قدميه في الأرض و يصيح : يا دين أمي...يا دين أمي.. واجهه الطبّاخ في ذهول"كنت بتشتغلنا يا خالد ؟ "... توقف خالد فجأة و أشعل سيجارة في صمت. " خالد ؟! ".استدار تاركا الطباخ ورائه ثم سار في الإتجاه المعاكس..






6 comments:

Che said...

اهنيك على وصفك الحياه الادبيه بالبراعه دى
استمتعت جدا و انا بقرا البوست

well said...

دا انت فقرى يا جدع
...وبجد ضحكتنى

Bella said...

انت مش ممكن

هههههههههههههههههههه

أسلوبك ساحر ومتدفق بشكل غير عادي

أحييك

Anonymous said...

انت مختلف لان نقلك للاحداث الحقيقية بترش عليه سحر هوليوودى
جمل ذكية كل واحدة فيهم حكمة منفصلة واحداث كأن فيه ايد مخرج ذكى بتديرها بحرفية (ابو رجيلة)
انت الوحيد اللى قرأت له قابل الملائكة (سوسن) والأخيار (عمرو ومصطفى وخالد عبد القادر فى الحقيقة) مش فى الشعر بس و برضه الوحيد اللى اتكلم بحرفية عن الاشخاص العادين (اللى فى الغالب بيقابلهم الشعراء فى حياتهم وبيكتبوا عنهم كأنهم ملائكة ) انت بتعرف تحكى بلسانهم زى ابطال حبيبى دائما وبودابست انت فكرة حرة مندفعة بلحية نافرة

Anonymous said...

واحده صاحيه مكتئبه و شعرها منكوش مع غياب اي نيه في عمل اي نشاط مفيد او التواصل مع اي كائن بشري
البوست ده مناسب ليه جدا النهارده!
حاجه تضيع الوقت و في نفس الوقت قمه في العبثيه

متغيرة شوية said...

هو انت مش هتعتق خالد بقى

فينكوا انتوا الاتنين صحيح؟